لص بغداد” بلبنان.. معرض ملصقات لزمن السينما الذهبي

لم يكن دخول السينما مجرد شغف لعبودي أبو جودة (59 عاما) فحسب، بل كان مدخلا لهواية جمع ملصقات الأفلام السينمائية والاحتفاظ بها، فمنذ أن كان أبو جودة في التاسعة بدأت رحلته بجمع الملصقات، إذ جذبته السينما حينها وحفرت في ذاكرته حتى بات يتنقل من مكان إلى آخر للحصول على أكبر عدد منها.

كان فيلم “رحلة السندباد السابعة” هو أول فيلم حصل أبو جودة على ملصقه، وقد خصص له مساحة في معرضه “لص بغداد” في العاصمة اللبنانية بيروت، إذ أفرج من خلاله -للمرة الأولى- عن بعض ملصقاته التي يبلغ عددها 550 ملصقا سينمائيا، تعود لأفلام أنتجت في الثلاثينيات والأربعينيات وصولا إلى الستينيات والسبعينيات، بالإضافة إلى ثلاثمئة صورة ودفتر إعلاني من حوالي عشرين بلدا.

يقول أبو جودة “في صغري كانت تستهويني الكتب والسينما، وكنت شغوفا بجمع كل أنواع الملصقات الفنية، ومنذ حوالي 15 سنة بدأت أركز على موضوع التصوّر الغربي عن العرب من خلال الملصقات السينمائية الذي هو محور معرض لص بغداد”.

بحفاوة يرافق أبو جودة زائري المعرض، يأخذهم في رحلة إلى زمن السينما الذهبي، ويشرح لهم عن أفلام الملصقات وما وراء الصورة التي تحملها، وأكثر ما لفت الزائرين بعض الملصقات التي تسخر من العرب، لكن أبو جودة شرح للزائرين كيف كانت هذه الأفلام تلقى قبولا وإقبالا في تلك الحقبة.

أقسام المعرض
يقول أبو جودة “اخترت عنوان المعرض: لص بغداد، لأنه من أوائل الأفلام التي تتحدث عن العرب في السينما الغربية عام 1924 ولاقت شهرة على مستوى العالم، وهذا الفيلم بالذات شكّل بابا لإنتاج سلسلة أفلام أجنبية مثل: فتاة بغداد، وعلي بابا، وشهرزاد، وكليوبترا”.

وينقسم معرض “لص بغداد” إلى أربعة أقسام تضمنت 108 ملصقات، أولها قسم “الحب والغرام” الذي تجلّى في تسعة ملصقات لأفلام رومانسية منذ حقبة العشرينيات.

أما الجزء الثاني، فيأخذنا إلى عالم الفانتازيا والخيال والذي أطلق عليه أبو جودة اسم “ألف ليلة وليلة”، وفيه مجموعة كبيرة من الملصقات التي تجمع بين “لص بغداد” وإخوته، و”سندباد البحار” وسلالته.

أما الجزء الثالث فهو “المغامرات”، ويتضمن حوالي عشرين ملصقا لأفلام أنتجت بين الحرب العالمية الأولى والثانية، وجرى تصويرها في بلاد الشرق كالعراق ولبنان وسوريا.

أما الجزء الرابع، فأطلق عليه اسم “صوّر في بيروت”، وتضمن سلسلة ملصقات عن أفلام تمّ تصويرها في بيروت، بالإضافة إلى وجود سينما صغيرة تضمنت عروضا لأفلام قديمة، ووضعت لوحة على بابها لأسعار مشاهدة الفيلم بالقروش اللبنانية.

الصعوبات والتحديات
يقول أبو جودة “في بداية الأمر كنت أحصل على الملصقات مجانا، لكن بعد ذلك أصبحت أحصل عليها بمقابل مادي من بعض الأشخاص الذين يحتفظون بها، وأحيانا كنت أسافر إلى بعض الدول العربية والأجنبية للحصول على ملصق”، ويردف “الموضوع مُكلف، لكنه ممتع، فقد وجدت ملصقات لأفلام لبنانية في المغرب وتونس لم تكن في بيروت”.

صعوبات عدة واجهها أبو جودة خلال رحلته في جمع الملصقات السينمائية، تمثلت في عدم وجود معلومات كافية في الوزارات اللبنانية المختصة لمساعدته في أرشفة وتنظيم ما يملك من ملصقات، وكان في بعض الأحيان يحصل على معلومات مغلوطة من بعض الموظفين عن تاريخ تصوير الأفلام، ويقول “هذا الإهمال والتخلي الرسمي عن الاهتمام بتاريخ السينما زاد من عزيمتي واهتمامي كي تصل الملصقات التي أملكها إلى مكان ما”.

الفيلم الذي أغضب الملك فاروق
ومن أكثر ما لفت انتباه الزائرين فيلم “عبد الله وحريمه”، فقصته -بحسب اللافتة التي كتبت إلى جانب ملصقه- تدور حول ملك مملكة بونداريا، الذي هام بحسناء تعمل عارضة وعرض عليها الثروة والجاه، غير أنها رفضته وتقرّبت من ضابط في جيشه يُدعى أحمد، وثار الشعب على هذا الملك الذي باع مملكته من أجل امرأة، وتمكن من طرده بفضل الجيش الذي آزره في هذه الثورة.

أحدث هذا الفيلم -بحسب أبو جودة- جدلا كبيرا آنذاك، إذ إن الملك فاروق أقام دعوى قضائية ضد مخرج الفيلم غريغوري راتوف الذي لعب كذلك دور الملك عبد الله، وطالب بمصادرة الفيلم، وقال في دعواه إن هذا الفيلم الذي صُوّر في مصر يتناول شخصه بصفته ملكا سابقا لمصر، وقد شارك فيه مجموعات من الجيش المصري، كما اشتركت مجموعة من الراقصات المصريات في رقصاته، وظهر وزراء الملك في الفيلم بالطربوش المصري وملابس الوزراء المصريين التي اعتادوا لبسها.

إقبال كبير يشهده معرض لص بغداد، حيث يحضره زوار من مختلف الجنسيات العربية والأجنبية الذين يأتون إليه للتعرف أكثر على السينما في العصر القديم، وعلى صور الإنسان العربي في السينما الغربية. يقول حسين العراقي الجنسية “لفتني اسم المعرض: لص بغداد، وجئت لأعرف أكثر عن هذا الفيلم، وكيف صور الغرب الإنسان العربي من خلال الجمال والحصان والراقصات”.

أما طوني الذي بدا عليه الاهتمام الدقيق بالسينما، فيقول “أحب السينما والأفلام كثيرا، جئت إلى هذا المعرض للتعرف على الأفلام التي أنتجت قديما، وأخذ فكرة عنها لعلي أحصل عليها وأشاهدها”.

ويضع أبو جودة هذه الملصقات بتصرف كل باحث ومختص في مجال السينما للاستفادة منها، قائلا “هذه الملصقات تمثّل ثروة ثقافية وعلينا الحفاظ عليها من خلال تبنيها من قبل مؤسسة أو صرح تربوي ترعاه وزارة الثقافة في لبنان”.المصدر : الجزيرة

BY AL JAZEERA NEWS