البنية التحتية لتركيا في مجال التنقيب عن الغاز

تعمل أغلب الدول ذات السواحل البحرية على تفعيل البحث عن موارد الطاقة في مياهها الإقليمية، خاصة في المناطق التي يزداد فيها احتمال العثور على الموارد، أملاً في امتلاك احتياطات طاقة لتغطية احتياجاتها المتزايدة، أو للتصدير إلى الأسواق الاستهلاكية في حال زادت الكميات المكتشفة عن حاجتها.

ومع ذلك لا يقل امتلاك الدولة لسفنها الخاصة بالبحث والتنقيب واستخراج مصادر الطاقة أهميةً عن وجود مصادر الغاز، فمن الممكن أن تعمل الأطراف المنافسة والمعادية التي تحتكر بعض سفن التنقيب أو الاستخراج، خاصة التي تعتمد على تكنولوجيا متقدمة، على تعطيل أو تأخير الخطط الاستراتيجية للدولة التي تتعاقد معها حتى لا تتعرض مصالحها للتهديد.

ووفقاً لهذه الرؤية سعت تركيا لامتلاك سفن تنقيب خاصة بها، وبحلول ديسمبر/كانون الأول 2019 أعلنت أنها ستمتلك سفينة ثالثة للتنقيب في البحر الأسود وشرق المتوسط، حيث كانت تركيا تمتلك بالفعل سفينتي تنقيب وسفينتي حفر.

سفينة الفاتح

تعد سفينة “فاتح” أبرز سفن التنقيب التركية، وتمتلكها شركة البترول التركية، وتعد من أفضل 5 سفن في العالم حيث يوجد 16 سفينة من فئتها في العالم، ويبلغ طولها 229، وعرضها 36 متراً، وهي قادرة على الحفر على عمق 12 ألف متر. كان أول إبحار لها عام 2011 بعد صناعتها في كوريا الجنوبية من قبل شركة هيونداي وبيعت لأكثر من شركة، وفي عام 2017 تم شراؤها من شركة نرويجية، وتم تغيير اسمها إلى الفاتح، وتتمتع بتكنولوجيا الجيل السادس، بإمكانها إجراء عمليات تنقيب حتى عمق 12 ألفاً و200 متر وفي الأعماق ذات الضغط المرتفع. وقد قامت حتى الآن بتسع عمليات تنقيب بدأتها في البحر المتوسط.

وقد اختارت تركيا اسم السفينة وتواريخ تحركاتها بعناية، إذ انطلقت في 29 مايو/أيار في الذكرى 567 لفتح القسطنطينية على يد محمد الفاتح من ميناء حيدر باشا إلى البحر الأسود، بعد أن تم تفكيك أبراجها لتعبر من مضيق البوسفور، وبدأت عمليات التنقيب في حقل (تونا1) في البحر الأسود في 15 يوليو/تموز 2020 في الذكرى الرابعة لفشل المحاولة الانقلابية، وقد أعلن الرئيس أردوغان في 21 أغسطس/آب بعد قرابة شهر من توديعه للسفينة عن اكتشافها حقل غاز بحجم 320 مليار متر مكعب، مضيفاً: “هذه السفينة توجت التنقيب بالنصر لنا وللأمة التركية، والحوض المسمى (تونا1) قمنا بكل الدراسات الهندسية بشأنه، خصوصاً أن سفينة الفاتح ستتابع البحث لأن الدراسات تؤكد وجود أكثر من حقل طبيعي في نفس المنطقة أو قريبة منها”.

أوروتش رئيس

هي سفينة أبحاث تركية مملوكة للمديرية العامة لأبحاث واستكشاف المعادن. تم تسمية السفينة، التي بدأ بناؤها في إسطنبول عام 2012 واكتملت في 2015، باسم البحار العثماني أوروتش رئيس. وتم إرسالها للتنقيب عن النفط والغاز في البحر المتوسط ​​في أبريل/نيسان 2017.

يمكن للسفينة إجراء عمليات سيزمية ثلاثية الأبعاد يصل عمقها إلى 8 آلاف متر، وعمليات سيزمية ثنائية الأبعاد يصل عمقها إلى 15 ألف متر، وتحتوي السفينة على مركبة غاطسة محلية الصنع تدار عن بعد، ولها أنظمة رسم خرائط قاع البحر، وأنظمة القياس وأخذ العينات.

ويبلغ عدد طاقم السفينة 55 فرداً، منهم 24 من البحارة و31 من الإداريين والباحثين. وقد بدأت السفينة في البحث شرق المتوسط في 21 أغسطس/آب وتوقفت في 15 سبتمبر/أيلول بسبب الخلافات مع اليونان، ولإعطاء المسار الدبلوماسي فرصاً للنجاح.

سفينة القانوني

تم تصنيعها عام 2012 من شركة سامسونج وعملت تحت علم جزر مارشال، وتم عرضها للبيع في 2020 وقامت شركة البترول التركية بشرائها بسعر 37.5 مليون دولار. والآن يتم إجراء أعمال صيانة وتجديد للسفينة، وقبل أيام قليلة أعلن وزير الطاقة التركي فاتح دونماز أن السفينة تستعد للتوجه للبحر الأسود في ظل قوة احتمالات العثور على اكتشافات جديدة.

سفينة يافوز

هي سفينة حفر تم إطلاقها عام 2011، وأدارتها عدة شركات وخدمت في تنزانيا وكينيا وفيتنام والفلبين حتى 2017، وبقيت خاملة في ماليزيا ثم اشترتها شركة البترول التركية في أكتوبر/تشرين الأول 2018، ووصلت إلى تركيا في فبراير/شباط 2019 وأدخلت لبعض عمليات الصيانة، ثم أعلنت تركيا بدء السفينة العمل جنوب قبرص في أكتوبر/تشرين الأول 2019.

سفينة بارباروس

تم إنشاء السفينة في دبي، وتم شراؤها بنحو 130 مليون دولار في 31 ديسمبر/كانون الأول 2012، وهي قادرة على إجراء أبحاث زلزالية ثنائية وثلاثية الأبعاد، ويمكنها فحص الهياكل الجيولوجية على بعد 8 كيلومترات تحت سطح البحر، وجمع بيانات زلزالية ثنائية وثلاثية الأبعاد. يمكن للسفينة، التي يبلغ وزنها الإجمالي 4711 طناً، تحديد الاتجاه والموقع تلقائياً عبر الاتصالات عبر الأقمار الصناعية. يبلغ طول السفينة 84 متراً وعرضها 21.6 متراً، وتمتلك مهبطاً للطائرات العمودية، وتعتبر صديقة للبيئة.

السفن التي تحتاج إليها تركيا

لاستخراج الغاز المكتشف حديثاً في البحر الأسود لا بد لتركيا أن تمد خطوطاً إلى أقرب نقطة في الساحل، وهي في منطقة زونغولداك وتقع على مسافة 175 إلى 200 كم من الساحل.

تحتاج تركيا إلى بناء مرفق تنقية للغاز في البحر قبل ضخه في الأنابيب، كما تحتاج إلى سفينة معينة متخصصة في مد الأنابيب تحت البحر تمتلكها 7 شركات عالمية رائدة، ولتركيا تجربة في التعامل معها، إذ تملك شركةُ أولسيز (Allseas)، التي يوجد مقرها في سويسرا ونفذت مشروع تمديد خط السيل التركي في البحر الأسود، سفينة البناء الأكثر تطوّراً من الناحية التكنولوجية في العالم، وهي روح الريادة (Pioneering Spirit)، التي لا تعمل فقط بمد خطوط الأنابيب ولكن أيضاً تركيب منشآت النفط والغاز وتشغيلها. وهي أكبر سفينة في العالم من حيث الحمولة الإجمالية، وبدأ بناءُ سفينة روح الريادة عام 2012، وهي من بين السفن الضخمة التي قامت ببنائها أولسيز مثل “سوليتير” و”أوداسيا” و”لوريلاي”.

بدأت رحلة تركيا في هذا المجال عام 1954 عندما أسست شركة البترول التركية كشركة وطنية، حيث كان من ضمن اختصاصاتها المشاركة في أنشطة التنقيب، وقد أدى الاهتمام بذلك إلى تأسيس 17 شركة كبرى منها بتكيم وتوبراش، وساهمت هذه الشركات في إحياء هذا القطاع وتقليل النفقات المطلوبة مقارنة بالشركات الأجنبية.

ويشير الباحث في مجال الطاقة في جامعة كوجيلي يونس فورونجو في حوار خاص مع TRT عربي، إلى أن تركيا قامت خلال تاريخها الحديث بنحو 80 نشاطاً من أنشطة البحث والتنقيب، وقبل عام 2019 قامت بـ6 عمليات تنقيب في البحر الأسود من خلال شركات أجنبية (إلى جانب شركات الطاقة الأمريكية إكسون موبيل، والفرنسية توتال، والإسبانية ريبسول، والنمساوية أو إم في) لم تصل من خلالها إلى نتيجة، وعندما قامت بهذا الأمر من خلال سفنها وطواقمها الوطنية استطاعت أن تصل إلى 320 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي.

ويحمل هذا الأمر دلالات قوية سواء من حيث الإرادة لتحقيق الاكتشاف وتقليل النفقات المترتبة على البحث والتنقيب، وتحديد توقيت هذه العمليات وفق أجندتها الخاصة، وقد كانت عمليات التنقيب الأخيرة في شرق المتوسط خير شاهد على قوة موقف تركيا، وهو الأمر الذي كان سيشهد صعوبة كبيرة لو كانت سفن التنقيب مملوكة لشركات أجنبية.

من خلال تقوية البنية المحلية في مجال البحث عن الطاقة وتقليل الاعتماد على الجهات الأجنبية تطبق تركيا واحدة من أهم استراتيجياتها في مجال الطاقة، بالإضافة إلى استراتيجيات أخرى كالتنويع والتحول إلى مركز طاقة عالمي، وبالتأكيد يصب هذا في إطار مزيد من الاستقلال في القرار التركي إقليمياً ودولياً

BY SETA ISTANBUL