تقدم مرشحين من خارج النظام في انتخابات تونس يصدم المؤسسة السياسية

أظهرت نتائج جزئية بعد فرز أكثر من نصف الأصوات في انتخابات الرئاسة التونسية أن الناخبين أحدثوا زلزالا سياسيا برفضهم قيادات بارزة لصالح أستاذ في القانون غير معروف على نحو يذكر وقطب إعلامي مسجون يشتبه بتهربه من الضرائب.مجموعة من أنصار قطب الإعلام المحتجز نبيل القروي يحتفلون بعد نتائج غير رسمية أظهرت وصول مرشحهم لجولة الإعادة في صورة بتاريخ 15 سبتمبر ايلول 2019. تصوير: محمد حامد – رويترز.

وتقدم أستاذ القانون المحافظ قيس سعيد وقطب الإعلام المحتجز نبيل القروي على 24 مرشحا آخرين من بينهم رئيس الوزراء ورئيسا وزراء سابقان ورئيس سابق ووزير الدفاع ويبدو من شبه المؤكد خوضهما جولة إعادة .

وسيمثل حفاظ هذين المرشحين على تقدمهما زلزالا سياسيا ورفضا قويا للحكومات المتعاقبة التي لم تستطع تحسين مستوى المعيشة أو إنهاء الفساد.

وقال بائع أسماك يدعى نور الدين بينما كان يظهر أصبعه المخضب بالحبر مفتخرا بانتخاب سعيد ”فخور أني صوت لسعيد الذي سيكون رئيسا عادلا وسينقذ ما أفسدته النخبة الفاسدة.. انتخبته لأني على ثقة أنه سيحارب الفساد وسيقيم دولة عادلة“.

وظل القروي، الذي يوصف بانه برلسكوني تونس، يستخدم لسنوات قناة نسمة التلفزيونية التي يملكها والمؤسسة الخيرية التي أسسها بعد وفاة ابنه لتقديم نفسه بطلا للفقراء ومعوضا لغياب الحكومة وتقصيرها، بينما يصفه منتقدوه بأنه طموح شعبوي يسعى للمتاجرة بآلام المهمشين والفقراء للوصول لكرسي الحكم.

وينفي القروي اتهامات التهرب الضريبي وغسل الاموال الموجهة له ويقول إنه يتعرض لحملة ممنهجة وسياسية يشنها خصمه الرئيسي رئيس الوزراء يوسف الشاهد بهدف إقصائه من السباق الرئاسي.

وقالت امرأة متحدثة عن القروي ”مللنا وعود كل السياسيين التقليديين الذي كانوا كاذبين.. نأمل أن يفي القروي بوعوده وأن يبقى (يظل) يساعدنا.. هو وعدنا إن انتخبناه سيوفر الشغل وسيحسن أوضاعنا.. نحن جربنا الآخرين سابقا لماذا لا نجرب القروي“.

وتتناقض ثروته الهائلة والآلة الانتخابية الضخمة التي لديه تناقضا صارخا مع قيس سعيد الذي لم ينفق أموالا تذكر في حملته الانتخابية مما جعل تونسيين يتندرون قائلين إن كلفة حملته هي علبة سجائر وفنجان قهوة.

وبينما أنفق مرشحون مئات الآلاف من الدولارات على حملاتهم، لم يكن لسعيد مدير حملة ولا تمويل بل فقط مقر متواضع من ثلاث غرف في مبنى قديم بوسط العاصمة وكان يعول على تبرعات متواضعة من متطوعين يدعمونه.

ينتمي سعيد، الذي يتحدث الفصحى دائما كما لو كان في محاضرة بالجامعة، للطبقة المتوسطة على عكس أغلب الطبقة السياسية. ويقود سيارته القديمة ويقول إنه يفضل البقاء في منزله إذا تم انتخابه بدلا من الانتقال إلى القصر الرئاسي الفاخر في قرطاج.

ويدعم سعيد، صاحب النهج الاجتماعي المحافظ، تطبيق عقوبة الإعدام ويرفض المساواة في الميراث بين الرجال والنساء ويركز على اللامركزية في الحكم في بلد لدى ساسة العاصمة فيه قوة مهيمنة على نحو تقليدي.

    وبعد فرز 52 في المئة من الاصوات، أظهرت النتائج الجزئية حصول سعيد على 18.7 في المئة من الاصوات، بينما جاء القروي في المركز الثاني بنسبة 15.5 في المئة ، وحل عبد الفتاح مورو مرشح حزب النهضة الإسلامي المعتدل ثالثا بحصوله على 13.1 في المئة.

*إسلاميون وشعبويون والنظام

وصف سعيد نتائج استطلاعات خروج الناخبين من مراكز الاقتراع التي أظهرت حصوله على معظم الأصوات، بأنها مثل ”ثورة ثانية“ قائلا ”ما حصل يحملني مسؤولية كبرى لتحويل الإحباط الى أمل“. وكان يشير إلى انتفاضة 2011 في تونس التي جلبت الديمقراطية وأطلقت شرارة انتفاضات الربيع العربي في المنطقة.

وقال لرويترز ” التغير للأفضل ممكن“.

ومن أقوى الساسة الذي نافسوا رئيس الوزراء يوسف الشاهد ورئيسا وزراء سابقان ورئيس سابق ووزير الدفاع إضافة إلى مورو رئيس البرلمان بالنيابة ومرشح حزب النهضة الإسلامي المعتدل.

وقال الشاهد في وقت متأخر من مساء الأحد معترفا بالهزيمة ”ما حصل هو نتيجة تشتت الصف الديمقراطي.. تلقينا الرسالة التي أرسلها الناخبون وهو درس يجب أن نفهمه جيدا“.

وكان حزب النهضة محظورا قبل الثورة وكان في وقت من الأوقات القوة الرئيسية المناهضة للمؤسسات في تونس، لكنه بات طرفا رئيسيا في الحكومات الائتلافية المتعاقبة التي وقعت بين مطرقة الرغبة الشعبية في مزيد من الإنفاق وسندان الحاجة لخفض الدين.

وتجري الانتخابات البرلمانية في السادس من اكتوبر المقبل. وقال مسؤول من حزب النهضة إن حزبه يركز الآن أيضا على هذه الانتخابات، مضيفا أن الحزب مستعد دائما للتوافق والنهج التشاركي في الحكم.

وفي ظل تدني نسبة الإقبال على التصويت التي بلغت 45 في المئة مقارنة بنسبة 63 في المئة عام 2014، تسلط النتيجة الضوء على الإحباط واسع النطاق من ضعف الاقتصاد وارتفاع البطالة وتردي الخدمات العامة وتجذر الفساد.

وقال القروي في رسالة تلتها زوجته بعد نشر الاستطلاعات التي أجريت عقب الخروج من لجان الاقتراع إن النتيجة كانت بمثابة رسالة لنخبة سياسية يتهمها القروي باستخدام القضاء لمحاولة إسكاته.

وسيمثل فوز القروي بالجولة الأولى صداعا دستوريا حقيقيا للمؤسسات الحاكمة في تونس وسيزيد التساؤلات بشأن مصير المرشح المسجون.

وقالت هيئة الانتخابات إن القروي سيبقى في سباق المنافسة ما دام لم يصدر حكم نهائي يدينه.

وفي الوقت نفسه، قضت ثلاث محاكم متعاقبة بضرورة بقائه في السجن أثناء مواجهته التهم، على الرغم من شكاوى مراقبي الانتخابات من أن هذا يخل بمبدأ تكافؤ الفرص والمساواة مع بقية المرشحين.

ولكن معارضيه يقولون إن استخدامه لقناته التلفزيونية غير قانوني وسبب كاف لإبطال ترشحه.

ومن غير الواضح أيضًا ما إذا كان سيصبح رئيسا قانونا في حال فوزه في الجولة الثانية أيضا، إذا كان غير قادر على حضور أداء اليمين الدستورية أثناء وجوده في السجن أو ما إذا كانت الحصانة الرئاسية من المقاضاة ستطبق في قضية قائمة.

ولم يتم بعد إنشاء محكمة دستورية يفترض أن تنظر في مثل هذه النزاعات الشائكة.

وألقت السلطات القبض على القروي قبل أسابيع من الانتخابات بسبب مزاعم تهرب ضريبي وغسل أموال أثارتها ضده هيئة للشفافية قبل ثلاث سنوات.

وجاء في رسالة القروي ”الشعب التونسي عاقب من حاول سرقة أصوات الناخبين عبر وضعي في السجن دون محاكمة وحرماني من التواصل مع التونسيين“.

واضاف في رسالته ”الشعب التونسي قال لا للظلم.. لا للتهميش.. لا للفقر.. نعم للأمل“.

إعداد أيمن سعد مسلم للنشرة العربية- تحرير أحمد صبحي خليفة

BY REUTERS