تحظى ولايات الساحل الثلاث في تونس، وهي سوسة والمنستير والمهدية (شرق)، بأهمية كبيرة في انتخابات الرئاسة، الأحد المقبل؛ بفضل كثافتها السكانية؛ إذ تضم نحو مليون ناخب، أي حوالي 14 بالمئة من إجمالي الناخبين.
وللساحل قيمة تاريخية في صنع السياسيين وتثبيت الحكم منذ الاستقلال عام 1956، وحظي بمكانة مهمة في إرساء دولة ما بعد الحقبة الاستعمارية الفرنسية (1881- 1956)، وما بعد تشكّل منظومة حكم بات يُطلق عليها عقب ثورة 2011 اسم “المنظومة القديمة”.
وفي 2011، أطاحت ثورة شعبية بنظام زين العابدين بن علي (1987-2011)، وهو من سوسة.
والساحل هو مهد “الحزب الحر الدستوري”، الذي انبثق عن مؤتمر قصر هلال بالمنستير عام 1934، وحكم تونس بين عامي 1956 و2011، تحت أسماء عديدة، منها “الحزب الاشتراكي الدستوري” في عهد الرئيس الحبيب بورقيبة (1956-1987)، وهو من المنستير، و”التجمع الدستوري الديمقراطي” في عهد “بن علي”، ابن سوسة.
** تعدد المرشحين
تسابق أحزاب ومستقلون لترشيح شخصيات تستمد قوتها ووزنها السياسي من الخزان الانتخابي في الساحل.
ووفق متابعين، فإن “الدساترة” هم الأقرب من الخارطة التقليدية في الساحل، ويعتبرون جزءا مهما وأصيلا في تشكل “المنظومة” أو “النمط”، الذي يستقر في عمق النظام التونسي.
ويشكل مرشحون من الساحل، اليوم، ثقلا في السباق الانتخابي، وهم: وزير الدفاع عبد الكريم الزبيدي، وهو من المهدية، وترشح مستقلًا، ويحظى بدعم أحزاب، مثل “نداء تونس” و”آفاق تونس” وشخصيات مستقلة محسوبة على “المنظومة القديمة”.
ومن المهدية أيضًا رئيس الحكومة الأسبق، المهدي جمعة (2014-2015)، وهو مرشح عن حزب “البديل”، ورئيسة الحزب الدستوري الحر، عبير موسى، المولودة في مدينة “جمال” الساحلية، بجانب ناجي جلول، وهو مرشح مستقل وكان من مؤسسي “نداء تونس”. وهم جميعا من المحسوبين على “المنظومة القديمة”.
بينما يُحسب رئيس الحكومة الأسبق، حمادي الجبالي (2011-2013)، وهو من سوسة، على التيار الإسلامي، ويسعى إلى استمالة عدد من ناخبي حركة “النهضة”، التي انفصل عنها.
ويستمد الرئيس السابق، محمد المنصف المرزوقي (2011: 2014) أصواته من خزان الخط الثوري والإسلامي واليساري، باعتباره ابن المنظومة اليسارية.
أما سليم الرياحي، المطلوب لدى العدالة والمتواجد خارج تونس، فهو من منطقة النفيضة، ولم يقم بحملة انتخابية؛ بسبب تجميد أرصدته بحكم قضائي .
** احتدام التنافس
منذ بدء الحملة الانتخابية، في 2 سبتمبر/أيلول الجاري، اشتد التنافس بين مرشحي “المنظومة القديمة” على خزانهم الانتخابي التقليدي.
ودخل على الخط مرشحون يطمحون إلى أصوات انتخابية من الساحل، وأبرزهم رئيس الحكومة الحالي، يوسف الشاهد، مرشح حزب “تحيا تونس”، المعروف بعلاقته الوطيدة بإحدى العائلات النافذة في سوسة، وتربطه علاقة مصاهرة مع أبرز المدن الساحلية سياسيا وسكانيا، وهي “مساكن” .
التنافس يحتدم يوما بعد آخر بين الزبيدي والشاهد وعبير موسى والمهدي جمعة على الخزان الانتخابي للمنظومة القديمة، عبر تكثيف الحملة الانتخابية في كافة مناطق الساحل وتركيز الاجتماعات الشعبية في أكبر المدن.
وعقدت عبير موسى اجتماعا شعبيا في قاعة محمد مزالي بالمنستير ضم الآلاف من مناصريها، بينما عقد الزبيدي اجتماعه في روضة آل بورقيبة بالمنستير، أسوة باجتماع في 2014 عقده المرشح الرئاسي آنذاك (الرئيس الراحل)، الباجي قايد السبسي.
أما الشاهد فاختار الحشد الانتخابي في القاعة الأولمبية بسوسة، ويُنتظر أن يعقد المهدي جمعة اجتماعا في المعرض الدولي بسوسة .
واتسمت زيارات ممثلي التيارات الإسلامية واليسارية والثورية بالضعف في الساحل، مقارنة بزيارة ممثلي التيارات الدستورية المكثفة.
وفي رئاسيات 2014، ذهب نحو 70 بالمئة من أصوات الساحل لصالح السبسي، على حساب المرزوقي، في حين اختارت أغلبية الناخبين قوائم مستقلة في الانتخابات البلدية، مايو/أيار 2018.
** تشتت الأصوات
في انتخابات الأحد، تبدو توجهات الناخبين ضبابية في الساحل، خاصة في سوسة؛ لتشتت الأصوات بين مرشحين بارزين متحزبين أو مستقلين؛ نتيجة تفكك “نداء تونس” وتشتت الأصوات التي ذهبت موحدة لمرشح “المنظومة القديمة”، السبسي، عام 2014.
وقال حافظ البريقي، الناشط السياسي التونسي، للأناضول: “العائلة الدستورية تُصنف ضمن العائلة الوسطية، وعدد مرشحيهم كبير وبرامجهم متقاربة وأغلبيتهم كانوا في نداء تونس ومن قياداته التاريخية، مثل محسن مرزوق، ناجي جلول، سعيد العايدي، يوسف الشاهد، فهؤلاء كانوا في المنظومة القديمة وغادروها”.
وأضاف: “سيكون ثمة تنافس شديد بين مرشحين لهم تجربة بالسلطة وأثبتوا نوعا ما جدارتهم بها خلال السنوات الأخيرة، وخاصة الشاهد والزبيدي، وهذا يجعل من التقارب لأخر لحظة تشويقا لمعرفة من سيكون الرئيس أو على الأقل من سيكون في الدور الثاني”.
وفي حال إجراء جولة ثانية، فسيتم التصويت قبل 3 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.
وتابع: “أفضّل أن يتم توصيف الانتخابات بالنّسب التي سيحصل عليها كل مرشح في دائرة انتخابية معينة ولا أعتبر التوصيف الجهوي، والمعطى الوحيد الذي يؤدي إلى أن يكون مرشح النهضة (عبد الفتاح مورو) في الدور الثاني هو أن تتوزع الأصوات بشكل متعادل بين مختلف مرشحي المنظومة القديمة الأكثر حظوظًا، بما يسمح لمرشح النهضة أن يكون في الدور الثاني”.
** الصراع ليس جهويا
وفق شهاب دغيم، الباحث التونسي في الشأن السياسي، فإن “تعدد الترشحات ظاهرة صحية حتى داخل العائلة السياسية الواحدة، فما تسمى بالمنظومة القديمة مختلفة في نبراتها وتعبيراتها السياسية والديمقراطية”.
وأردف دغيم للأناضول: “عبير موسى تُعتبر روح المنظومة القديمة الأكثر التصاقا ووثوقا بالنظام القديم في خطابها السياسي ورؤيتها وعلاقتها بالتيارات المعارضة، وخاصة تيارات الإسلام السياسي، وأساسا النهضة”.
وتابع: “هناك تيار الشاهد والمهدي جمعة وهما من التيارات الخفيفة، ويمثلان جزءًا من المنظومة القديمة في رؤيتهما للدولة العميقة وتصورهما للتراث البورقيبي، ولكن أقل حدة في تعبيراتهما السياسية من عبير موسى.. جيل شاب ورؤية متمسكة ببعض مبادئ السيستام (المنظومة) أو الدولة العميقة القديمة، لكن تبقى مفتوحة على كافة التيارات الوطنية يمينا ويسارا”.
واستطرد: “أما بالنسبة للزبيدي فهو مرشح جزء من المنظومة القديمة وهو جزء من الساحل ويختزل بعض مناصريه الصراع الجهوي، لكن شخصيا أعتقد أنه ليس صراعا جهويا، وإنما صراع على السلطة وتصورات البلاد”.
واعتبر دغيم أن “الزبيدي صاحب رؤية محافظة؛ فالرجل جاء من رحم وصايا السبسي لهذه البلاد، وأنا أميل إلى التجديد في الرؤية الشبابية، والتي يمثلها الشاهد، وبدرجة أقل المهدي جمعة ومحسن مرزوق”.
BY ANADOLU AGENCY